في كل شركة، تظهر شخصيتان متناقضتان تمامًا، كل منهما يتبع مسارًا مختلفًا لتحقيق أهدافه، الشخص الأول هو الموظف المتحدث البارع، ذلك الذي يتقن فنون التودد والإبهار، يقضي وقته بالقرب من المديرين، ويبدو دائمًا في المقدمة كأنه جزء لا يتجزأ من نجاح الشركة،
الشخصية الأخرى هي الموظف الصامت، الذي يعمل في الظل بإخلاص واتقان، ينأى بنفسه عن الأضواء ولكنه يحمل على عاتقه أعباء نجاح المشروع، وبين هذين النموذجين، يتساءل الكثيرون:
أي منهما يدفع الشركة إلى الأمام؟ وهل تحتاج الشركات حقًا إلى الوجوه البارزة، أم إلى الجهود الصامتة؟ هذا السؤال يتجاوز كونه نقاشًا عن الأداء ليغوص في أعماق الثقافة المؤسسية وطبيعة القيادة داخل الشركات.
من هو المتحدث البارع؟
المتحدث البارع يُتقن مهارة السيطرة على الانطباعات، ليس من الضروري أن يكون إنتاجه قويًا أو حتى ملحوظًا، ولكنه بارع في استخدام الكاريزما والإقناع لخلق صورة مشرقة عن نفسه أمام الإدارة، في الاجتماعات، هو أول من يتحدث وآخر من يغادر، يجيد الترويج لفكرة قد تكون في الأصل ليست فكرته، ويدرك كيف يظهر في اللحظة المناسبة ليكون نجم الحدث، مثل هذا الموظف يمكن أن يمنح الشركات بريقًا مؤقتًا ولكنه يخفي في العمق مشكلة أعمق: هل تنمو الشركة على أسس متينة، أم أنها تعتمد على شخصيات تجيد المظاهر أكثر من العمل الحقيقي؟
الموظف الصامت: محرك خفي للنجاح
على النقيض تمامًا، يظهر الموظف الصامت، هذا النوع يركز على جودة عمله بدلًا من تلميع صورته، يتقن المهام التي توكل إليه بدقة ويهتم بتطوير نفسه دون الحاجة إلى تسليط الأضواء عليه، ولكن مع ذلك، غالبًا ما يتم التغاضي عن جهوده في ظل بروز المتحدث البارع، فالشركات التي تفتقر إلى رؤية شاملة قد تفشل في تقدير هذه الشخصيات، مما يؤدي إلى استنزاف طاقاتهم أو حتى خسارتهم تمامًا.
ما بين الواقع والتوقعات: ثقافة الشركة كحَكَم نهائي
ما الذي يجعل المتحدث البارع أكثر حضورًا وتأثيرًا في بعض الشركات مقارنة بالموظف الصامت؟ الإجابة تكمن في ثقافة الشركة نفسها، إذا كانت بيئة العمل تركز على الإنجازات القابلة للقياس وتثمن النتائج الواقعية، فإن الموظف الصامت سيجد تقديرًا كافيًا، أما إذا كانت البيئة تعتمد على العلاقات الشخصية والعروض الاستعراضية، فسيكون المتحدث البارع هو نجم المشهد، وبالتالي، فإن نجاح الشركات يعتمد بشكل كبير على مدى قدرتها على خلق توازن بين التقدير للعمل الصادق والاعتراف بأهمية مهارات التواصل والترويج الذاتي.
تأثير القادة على تعزيز النوعية الصحيحة
القادة هم المفتاح لتحديد أي من النوعين يساهم فعليًا في دفع الشركة نحو النجاح، القائد الذكي لا يقع ضحية الانطباعات السريعة، بل يعرف كيف يقيس الأداء الحقيقي بعيدًا عن الضجيج، إنه يدرك أن الموظف الصامت قد يحمل في داخله كنزًا من الأفكار والابتكارات، بينما قد يكون المتحدث البارع مجرد واجهة دون عمق فعلي، ولهذا السبب، يحتاج القادة إلى خلق قنوات واضحة للتقييم تستند إلى الحقائق والإنجازات بدلاً من الانطباعات السطحية.
كيف يمكن للشركات أن تجد التوازن؟
الحل يكمن في بناء نظام متكامل يدمج بين الإنجازات الملموسة والمهارات الشخصية، من جهة، يجب تشجيع الموظفين الصامتين على التعبير عن أنفسهم ومشاركة أفكارهم، ومن جهة أخرى، يجب أن يكون هناك معايير أداء صارمة لضمان أن الشخصيات المتحدثة تساهم فعلًا في تحقيق الأهداف، وهذا لا يتم إلا من خلال سياسات واضحة تضمن عدالة التقييم والاعتراف بالجهود.
الصمت والضجيج كلاهما مهم ولكن..
نجاح الشركات لا يعتمد على شخصية واحدة أو أسلوب واحد، بل على مزيج متناغم من القدرات، الموظف الصامت هو العمود الفقري الذي يحمل الإنجازات، والمتحدث البارع هو الوجه الذي يقدمها للعالم، ولكن إذا غاب التوازن بينهما، فإن الشركة تخاطر بفقدان مصداقيتها وفعاليتها على المدى الطويل، السؤال الذي يجب أن تطرحه كل شركة هو: هل نكرم الجهود الصادقة بقدر ما نقدر الظهور اللامع؟ الإجابة على هذا السؤال هي ما سيحدد مستقبلها.